السودان: العنف والتصويت، انتخابات 2015 أين تاج الدين عرجة؟


السودان: العنف والتصويت، انتخابات 2015 أين تاج الدين عرجة؟


 
جيمي كارتر في الخرطوم. هذا هو النبأ الذي حمله البيان الرسمي من الرئاسة السودانية ومفاده أن الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر في زيارة رسمية لمدة أربعة أيام بدأت منذ الإثنين الماضي. اهداف هذه الزيارة المعلنة والتي سيلتقي فيها كارتر بمسئولين سودانيين حكوميين رفيعين من بينهم الرئيس السوداني عمر البشير تتضمن مناقشة التحضير للانتخابات العامة المزمع عقدها من قبل النظام في 2015. والانتخابات تبدو كموضوع محبب لكارتر الذي شارك مركزه في دعم ومراقبة 96 عملية انتخابية في 38 دولة منذ إنشائه ومن بينها الانتخابات العامة السودانية في 2010 في إطار ما يعرف ببرنامج الديموقراطية الذي يشرف عليه المركز. وفي العموم يبدو كارتر من المعتقدين بشدة ان حل المشكلة السودانية يكمن في الانتخابات والمزيد من الانتخابات، ولكن الواضح حسب تجربتنا السودانية مع كارتر ومركزه في الاعتراف بنتائج الانتخابات المزورة في 2010 ان هذه الأهمية التي يؤليها الرجل للانتخابات هي بغض النظر عن الظروف التي تقام فيها الانتخابات فعلياً. موعد الانتخابات وعملية عد الأصوات هي الأركان الذهبية بالنسبة له، اما من الذي يقوم فعلاً بملء صناديق الاقتراع وبقية إجراءات العملية الانتخابية فهي شكليات غير مهمة بالنسبة له.
وكما وضحت في مقال سابق فان هذا المفهوم في التعامل مع القضية السودانية لا يبدو محصوراً على الرئيس كارتر فحسب وبل يشاركه فيه طيف واسع من اللاعبين الدوليين في ملعب القضية السودانية. لكن ما يميز السيد كارتر هو انه غير مقيد بالتفاصيل الشكلانية التي تحد من حركة بقية اللاعبين الدوليين. فالرجل كرئيس أمريكي سابق، ومدافع عالمي عن نشر النموذج الغربي للديموقراطية وايضاً – دونما أي استغراب – حامل لجائزة نوبل للسلام -مثله مثل توكل كرمان-كل هذا يتيح له أن يأتي الي الخرطوم ويلتقي بالرئيس البشير – المطلوب والمطارد من المحكمة الجنائية الدولية بحيث لا يستطيع أي زعيم أخر من زعماء ما يعرف بـ "العالم الحر" مقابلته بشكل مباشر-ليناقش معه الشروط والوسائل التي يمكن ان يطيل بها البشير حكمه لفترة أطول. وهذا بالضبط الذي تتيحه و تعنيه الانتخابات المزمعة في 2015 في ظل الوضع الحالي في السودان.
فالانتخابات ليست محصورة في التصويت فحسب، ولكنها تتبني بالأساس على العملية التي تقودنا الي هذا التصويت، والمنهج الذي يتيح لهذه العملية بالحدوث هو الذي يجعل العملية الانتخابية شرعية و نتائجها ذات معنى. وهذا النهج يتضمن بالضرورة ضمن شروط أخرى كثيرة السماح بل وحماية حق التعبير عن الرأي، حيث ان الانتخابات ذات نفسها ليست سوى ألية أخرى لممارسة حق التعبير هذا. وهذا الذي يقودنا الي قصة تاج الدين عرجة.
تاج الدين طالب وصحفي سوداني يبلغ من العمر 26 سنة. نشأ وترعرع في معسكرات النازحين بعد ان اضطرت اسرته للهروب من نيران الحرب التي اشتعلت في موطنهم الأصلي في شمال دارفور. بعد عشرة أعوام من هذا النزوح، وبالتحديد في ليلة 24 ديسمبر 2013، حضر تاج الدين مؤتمراً مقام بقاعد الصداقة في الخرطوم لمناقشة القضية الدارفورية و حضر هذا المؤتمر ايضاً الرئيسيين السوداني عمر البشير و التشادي إدريس دبي. وما حدث ليلتئذ أن تاج الدين مارس حقه الطبيعي في التعبير عن رأيه وقام بتوجيه انتقادات علنية للرئيسيين داعياً إياهم لتحمل مسئوليتهم بخصوص نزاع دارفور. كانت الكلمة التي استخدمها بالتحديد "مأساتنا" وكان تعبيره أصدق ما يكون. فور الانتهاء من كلماته تلك، هجم عليه ثمانية من الحرس الرئاسي واصطحبوه خارج القاعة على مرأى من جميع الحضور واقتادوه لمكان مجهول لا يزال قيد الإعتقال فيه منذ حينها. ولم يصدر أي تعليق او بيان رسمي من الحكومة حول هذه الحادثة بل لا تتوفر حتى أي معلومات حول سبب او مكان اعتقاله او ظروفه. الفيديو الموجودة بالوصلة المرفقة، يؤثق لحادثة نزوح تاج الدين عرجة واسرته على لسان تاج الدين نفسه قبل عشرة أعوام وكما يؤثق للحظات التي تم اعتقاله فيها من داخل القاعة. (http://www.youtube.com/watch?v=K49c4Jckk2g#t=212)

هذا الذي يحدث في السودان اليوم عندما تقوم بالتعبير عن رأي او فكرة بشكل صريح. فلندعو السيد كارتر ليتخيل معنا السيناريو الذي يمكن ان يحدث اذا قرر تاج الدين ان يترشح لمقعد برلماني مثلاً و أن يعبر عن أفكاره و ارائه تلك كجزء من برنامجه الانتخابي. هل ستترك له عناصر الأمن المجال ليعبر عنها أم أن الانتخابات ستكون مجرد عملية لتنصيب الذي قام النظام باختيارهم مسبقاً على كراسي السلطة؟
ان البيئة الصالحة للانتخابات ليست مجرد تجريد نظري موجود ليستخدمه المثفقفون و المسئولون الحكوميون في مناقشة شروط التحول الديموقراطي في السودان و لكنها بالضبط هو عدم حدوث ما حدث لتاج الدين عرجة على أي مستوى. وانا أتساءل حقاً عما الذي ناقشه الرئيس كارتر مع الرئيس البشير إذا لم تكن قضية تاج الدين عرجة على رأس الاجندة، و لكن لن استغرب على الاطلاق إن غابت عنها تماماً، فتاريخ التصويت أكثر أهمية لهما بالتأكيد.
إن قضية تاج الدين ليست وحدها بالرغم من انها كافية تماماً لاثبات الفكرة، فالنظام السوداني يمارس ايضاً رقابة صارمة على الصحف اليومية بل انه لقرابة الثلاثة أعوام ظل يمنع ثلاثة صحف (الميدان، رأي الشعب، التيار) من الصدور دون أي أسباب رسمية او توضيح قانوني و الجدير بالذكر ان الصحفيتين المذكورات اولاً هما لسان حال لاحزاب سياسية شرعية ومسجلة قانونياً. كذلك قام النظام باعتقال مئات من الناشطين السياسيين من منازلهم في سبتمبر و أكتوبر من العام الماضي فقط بسبب اراءهم و مواقفهم السياسية و هولاء غير المئات التي الذين تم قتلهم بدم بارد في الشوارع بسبب تظاهرهم سلمياً ضد إجراءات اقتصادية أدت الي رفع الأسعار في سبتمبر 2013.
إن السودان في أمس الحوجة الان لعملية التحول الديموقراطي و التي ان أوان حصادها كثمرة لنضال طويل استمر ضد النظام الشمولي الحاكم، و على المجتمع الدولي أن يفهم جيداً ان الشعب السوداني لا يريد منه سوى التوقف عن تسبيب الأذى المستمر لهذه العملية.

عزيزنا الرئيس كارتر، مع كامل ايات الاحترام، لكن ان كان لنا في السودان ان نقيم هذه الانتخابات فنحن نريدها ان تكون حقيقية وذات معنى و ليس مجرد عرض مسرحي أخر. هل يمكنك التركيز على مشروعك للقضاء على مرض الدودة الغينية؟ سنكون أكثر امتناناً لك في ذلك.

أضغط هنا للتوقيع على عريضة المطالبة باطلاق سراح تاج الدين عرجة

Comments

Popular posts from this blog

Sudan: Tempus Vero, Veritas Liberabit Vos

العملية السياسية الحالية الى أين تمضي بالسودان؟

متاهة التحول الديمقراطي في السودان